وقـــــــــت الحب

[size=24] لنذكر دائمآ أن وقت الحب قصير
كان المستشفى هادئآ على غير عادة ذلك المساء البارد جدى من يناير إلا أن هدوءه كان كالنسمة التي تسبق العاصفة ونظرت إلى الساعة في مركز الممرضات فإذا بها التاسعة عندئذ وضعت سماعة طبيب حول عنقي وتوجهت نحو الغرفة 712
وفيما كنت أدخل الغرفة نظر المريض (السيد ميلز)إلى الباب بلهفة لكنه سرعان ما خفض بصره حين ادرك أن القادم لم يكن سوى ممرضة ووضعت السماعة على صدره ورحت أتنصت إلى دقات قلبه التي كانت قوية وبطيئة منتظمة مما لا يدل على أنه عانى نوبة قلبية خفيفة قبل ساعات قلائل
ونظر إلي والدمع يملأ عينيه ولمست يده وأنا أنتظر أن يتكلم وأخيرآ قال :"هلًا استدعيت ابنتي ؟إنني أعيش وحدي وليس لي سواها "وما كاد ينتهي من كلامه حتى تسارعت أنفاسه
وقويت كمية الأوكسجين المعطاة له وقلت :"طبعآ سأخبرها وأستدعيها "
وقبض على ملاءات السرير واندفع إلى الأمام ووجهه متوتر من فرط الإلحاح وقال :"أريد أن تستدعيها فورآ بأقصى ما يمكنك "وتسارعت أنفاسه أكثر من ذي قبل
وربت على كتفه وقلت :"سيكون ذلك ولكن عليك الآن بقليل من الراحة ".
وأغمض عينيه غير أني لم أشعر بدافع إلى مغادرة الغرفة فتحركت نحو النافذة وسط الصمت الذي يرين على المكان وكان زجاج النافذة باردآ ونظرت عبره لأرى سحابة كثيفة أطبقت على ركن المستشفى الخلفي المخصص للسيارات وكانت الغيوم الثلجية توشي ظلمة السماء
وبعد قليل دعاني قائلآ :"هل لك أن تعطيني قلمى وورقة ؟"
ومددت يدي إلى جيبي وأخرجت قصاصة ورق صفراء وقلمآ وضعتهما على الطاولة بجانبه
وقال شطرآ فرمقته بابتسامة وخرجت
[size=25]لا تدعيه يموت
لدى مراجعتي سجل السيد ميلز عثرت على إسم ابنته كأقرب الناس إليه وحصلت على رقم هاتفها من الاستعلامات
_الآنسة جاني ميلز ؟ الممرضة سو كيد تكلمك من المستشفى وانا أتكلم في شأن والدك لقد أدخل المستشفى على إثر نوبة قلبية هذا المساء .......
وصرخت بأعلى صوتها :ماذا تقولين؟ هل هو على فراش الموت؟ " وكان ذلك توسلآ أكثر منه استفهامآ وأجبت محاولة أقناعها :"إن وضعه مستقر الآن "
فقالت يجب ألا تدعيه يموت !" وراحت يدي ترتجف على الهاتف وانا اسمع صوتها المستغيث .
فقلت لها :"أنه يحصل على أفضل عناية
لكنها تابعت استغاثتها :"إنك لا تدركين الأمر لقد حصلت مشادة عنيفة بيني وبين أبي قبل سنة تقريبآ ولم أره منذ ذلك الوقت وكنت أريد طوال هذه الأشهر أن أذهب أليه ليصفح عني وكان أخر ما قلت له :"أني أكرهك "
وتكسر صوتها وسمعتها تنتحب بمرارة وأخذت أصغي والدمع يحرق عيني هنا أب وابنته ابتعد كل منهما بعيدآ عن الآخر وهذا جعلني أفكر في أبي الذي تفصلني عنه مسافة طويلة .لقد انقضى وقت لم أقل فيه :"أني أحبك .
وبينما كانت جاني تحاول السيطرة على نفسها تنفست بالصلاة الأتية :"عفوك يا إلهي دع هذه الإبنة تجد الغفران "
وقالت جاني :"أني قادمة حالآ وسأكون في المستشفى خلال ثلاثين دقيقة "
حاولت إلهاء نفسي بكدسة من سجلات المرضى الموضوعة على الطاولة ولكن لم أقو على تركيز افكاري وعبرت في ذهني صورة الغرفة 712 وشعرت بوجوب العودة غلى هناك وانطلقت مسرعة عبر الممر وما إن بلغت الغرفة حتى وجدت السيد ميلز بلا حراك وجسست نبضه فلم أسمع أي صوت
وأعلمت الموظف المسؤول بالأمر فارتفع صوته بعد ثوان في أرجاء المستشفى يستدعي أطباء الطوارئ
إلى الغرفة 712
وعلمآ أن السيد ميلز أصيب بنوبة قلبية فقد جعلت سريره في المستوى المناسب وانحنيت على فمه أتنفس بقوة لإدخال الهواء إلى رئتيه وضغطت يدي على صدره وبدأت أعد من واحد إلى 15 وعاودت التنفس عبر فمه بأقوى ما استطعت ترى أين النجدة ؟ وكررت الضغط على صدره ثم التنفس.
ورحت أصلي يا ألهي إن ابنته آتية فلا تدع الامور تنتهي هكذا
وفجأة انفتح الباب ودخل الأطباء والممرضات وهم يجرون معدات الطوارئ أمامهم وبدأوا عملهم
ووقفت أراقب جهاز تخطيط القلب الذي لم ترسم عليه إشارة وصرخ أحد الاطباء" إبقي بعيدآ"
وناولته المقبضين الخاصين بالصدمة الكهربائية وتكررت المحاولات لكن أي منها لم يفلح
وأخذوا ينسحبون واحدآ تلو الآخر بقنوط وصمت ووقفت مذهولة إلى جانب سريره وكانت الريح تهز النافذة بعنف وتغطي الزجاج بالجليد ترى كيف أستطيع مواجهة ابنته ؟
نعمة الغفران :
خرجت من الغرفة فرأيت جاني وقد قبض طبيب كان في الغرفة 712 على ذراعها ووقف يكلمها ثم سار في طريقه تاركآ جاني تمشي مسترخية في محاذاة الحائط وعلى وجههاا ألم مشج وفي عينيها جرح عميق وأمسكت بيدها وأخذتها إلى غرفة الممرضات حيث جلسنا من غير أن تنطق أحدانا بكلمة بينما أخذت تحدف بوجه جامد ونظرات منكسرة
وقلت لها بارتباك :"جاني أنني حزينة جدآ لما حل بك "
ردت قائلة :"صدقيني إني لم أبغضه قط لقد أحببته والآن أريد ان أرا ه
وأردت أن أقول لها لماذا تجرين على نفسك المزيد من الألم ؟"غير أني عوضآ عن ذلك نهضت وطوقتها بذراعي ومشينا ببطء نحو الغرفة 712 ودفعت الباب بقوة وذهبت إلى حيث والدها ودفنت جاني وجهها في ملاءات السرير وحاولت أنا ألا أنظر إلى ذلك الوداع الحزين واستدرت إلى الطاولة فوقعت يدي على قصاصة ورق صفراء وحملتها وقرأت ما فيها الآتي :"
جاني يا أعز الناس إني أصفح عنك وأتوسل أن تصفحي عني انت أيضآ أعرف أنك تحبينني وأنا كذلك أحبك . أبوك "
وكانت الورقة تهتز في يدي وأنا امدها إلى جاني وقرأتها هي مرة ثم مرة أخرى وأخذت أمارات السلام تتلألأ في عينيها وهي تشد قصاصة الورق إلى صدرها
ونظرت إلى النافذة وأنا أتمتم "أشكرك يا الله " ورأيت نجومآ قليلة تومض وسط الظلمة وضربت النافذة قطعة ثلج رقيقة ثم ذابت واختفت إلى الأبد شطرآ لك يا الله لأنك جعلت العلاقات بين الناس وهي هشة أحيانآ مثل قطعة الثلج قابلة للإلتحام ولكن ليس هناك لحظة واحدة تمكن إضاعتها
وخرجت من الغرفة على رؤوس أصابعي وأسرعت نحو الهاتف سأخابر والدي حالآ سأقول له :
"إني أحبك "

والله ياشريك ماني شايف شي

مو واضح الخط

موباين الخط منيح يا هجرني

اخي هجرني مو واضح الكتابة اخوي