الـــــــــــى أين

سار بذلك الليل الدامس في طريق طويل... حاملا تلك الحقيبة الرياضية والتي ملأها بأشياء لايتذكر معضمها... وبإنحناءة ظهره النحيل... سار, تابع سيره وهو يكاد لا يلتفت الى الوراء... يكاد حتى لا ينظر يمنة ويسرة وكأنه يسير داخل فراغ أو داخل حلم أو وهم شاعرا كأنه معلق مابين السماء والأرض...
حتى انه لم يداري خروجه ولم يتسلل بخفة فقط سار..
كان من المفترض ان تلتمع عيناه بالدموع, كان من المفترض أن ينبض قلبه بشده وترتعش يداه... كان من المفترض أن ينسى شيئا ما في طريقة للخروج...
لكنه كان كمن تعود الفرار.. كمن نعود الرحيل.. خرج من ذلك المنزل الذي به أكثر من نصف عمره, منزل تقاسمه هو وجاره الذي يسكن بالطابق الأسفل... كانوا كعائلة واحدة... أمه وأخوته... ووالده... والجار وابنه الذي كان أخا بالنسبة إليه... والآخرون...
لم يحصل مايدعو للخروج... لم تحدث مشكلة بينه وبين أحد... لاشي يدعو للرحيل...
سوى انه سئم... سئم الشعور بكل شيء ولا شيء سئم انه يعتاد على طعم واحد للحياة...
بالرغم من أنه ليس طعما سيئا... ولكنه سئم... كان الشعور بالسئم هوما أورث جسده هذا البرود, هو ما دعاه لحمل المهم واللا مهم في آن... والفرار فقط من لاشي..
كانت عيناه ناعستان ذابلتان وكأنه يسير في نومه, كانت خطواته كمن يسير على الهواء... لم يودع احدا... فهو "ماهر" ماهر في كل الشي إلا الوداع... بعدما تحاشاه.. حتى في المجالس يتسلل بهدوء دون ان يودع, ولكن حضوره كحضور نجم له ميزته الفريدة... لكن وداعه يكاد لايذكر سوى انه يخرج فحسب.. بعدما كان يسير مفعما بالحيوية... بعدما كان يجري وراء شيئا ما... حلما ما... دائما...
ولكنه اليوم يسير إلى المجهول إلى حيث اللاشئ وأي شيء سوى ماتركه خلفه.. حتى أحلامه باتت تحاول اللحاق به متأخرة خلف ظلله... لأنها الوفيه.. لأنها من لازمته طوال سنون.. عمره العشرون...
تعثرت خطوات سيره... ليدرك أنه بات امام محطة القطار... سار نازلا الدرجات.. واقفا امام شباك التذاكر صامتا دون أي ايماءات.. أخذ التذكرة وسار.. حتى دون ابتسامه.. لايزال كم هو كم كان في بداية هذا الليل الدامس كمن يسير في حلم كمن يسير في سبات..
رغم الزحام رغم الأصوات العالية رغم التدافع البسيط عند باب القطار.. إلا انه ظل كرجل الجليد... سار... جلس... اشاح بنظره نحو الزجاج, زجاج النافذة الصغيرة... ليحاول الإنزواء بعيدا عمن يشاركة المقعد... ذلك الرجل العجوز والسيجارة... تزحزح القطار بعد مدة... أصوات العجلات... صوت بكاء الطفل الرضيع... إنحناءة المضيفة الرقيقة... كل شيء... بالنسبة إليه بات لاشيء...
إنه حتى لايفكر... هو فقط يسير مبتعدا.. هذه عادته يرحل.. تاركا فراغ.. لاشيء.. ويختفى وكأنه أوقف الزمن...
سار القطار لساعات... قام الجرل العجوز, هدأ القطار.. ماعدا صوت العجلات.. لازال ماهر صامت, نظر بعينيه الذابلتين ببرود ومن كمنظر الصمت الذي فاق صمته ابتسم...
رفع حقيبته, اخرج قطعة شوكولا لم يتوقع أن يجدها, فعاد وابتسم... اقتربت تلك المضيفه تحمل قدح الشاي وبعضا من القهوة... فأومىء ليعبر عن رغبتة بتناول كوبا من القهوة, سألته... "سكر؟!" ظل صامتا كأنه لم يفهمها.. فبتسمت ابتسامتها الرقيقه المصطنعه " أتريد ملعقة سكر؟" فابتسم... وتنهد قائلا: " ملعقة سكر؟!... نعم من فضلك.." كان كمن يبتسم استهزاءً كمن يتعجب من قطعة السكر التي تحاول أن تخفف من مرارة القهوة... أذاب السكر كطفلٍ سارحاً في دوامات القهوة..
ارتشف كوبه وتنهد مستنشقاً الهواء.. وعندما عادت ثانية لتحمل منه الكوب سألها ببرود.. بهدوء... بعفوية... " آنستي.. إلى أين يتجه القطار؟" تلعثمت, صدمت, توترت... ألا يعرف؟!! ... وقبل ان تجيب, أجاب هو : "لا بأس... فلا تهمني وجهة القطار... اتركيني مع إشارة المجهول... اتركيني متشوقا الى الغد بجنون... بغباء مطلق دون ان يكون لدي ادنى فكرة عما سيكون عليه الغد!!!"
ابتسم... فابتسمت هي ذاهبة ولقد ظنت انه يمازحها.. ولم تفهم انه كان جادا, كان قاصدا لكل تلك الحروف.. فهو لا يعلم شيئاً كل ما أراده هو الرحيل, والرحيل وحسب, وقطع الحبال.. حبالُ لا أظن أنها ستقطع يوما!!!

مع تحياتي... في إنتظار ردودكم واتمنى ينال اعجابكم الـــــــــــى أين (308)

مشكور ياغالي ماقصرت حبيبي

ميرسي يا هجرني الشوق على الئصة الحلوة

تقبل مروري

مشكور ياذوق عالقصة اخوي

ميرسي هجرني الشوق

تقبل مروري

مشــــــــــــــــكووووووووور على المرور cheers